تدوينات

تعريب الأساليب: بحث للشيخ عبد القادر المغربي

وقعنا مؤخرًا على هذا البحث القيِّم للشيخ عبد القادر المغربي، أحد الأعضاء المؤسسين للمجمع العلمي العربي، نشره عام 1934 في الجزء 1 من مجلة مجمع فؤاد الأول للغة العربية، يتناول فيه تعريب الأساليب والتعبيرات الأجنبية ونقلها إلى اللغة العربية، ورأيه في ذلك، ومتى يمكن الحكم بأعجمية الأساليب. وقد رأينا نقل البحث نظرًا إلى أنَّ مسألة نقل الأساليب تكثر مناقشتها في أوساط المترجمين، ولم نتدخل في تعديل النص إلا بتعديلات طفيفة ليناسب طبيعة النشر الإلكتروني. وإليكم ما كتب:

تعريب الأساليب

نريد بتعريب الأساليب ما أراده مجمع اللغة العربية الملكي بتعريب الكلمات مذ قال في القرار السادس من قراراته: هو «إدخال العرب في كلامها كلمة أعجمية»1. ونحن نقول في تعريب الأساليب: «هو إدخال العرب في أساليبها أسلوبا أعجميا».

وليس بين أدبائنا كبير نزاع في أمر قبول الأساليب الأعجمية وعدم قبولها، وجل ما اشترطوه في قبول هذه الأساليب ألا تكون مخالفة في تراكيبها لقواعد اللغة العربية، وألا تكون نابية عن الذوق السليم. ولم يشترطوا قط في إدخالها إلى أساليبنا «الضرورة» كما اشترطه المجمع الملكي في تعريب الكلمات مذ قال: «ومجمع اللغة العربية الملكي يجيز تعريب الكلمات عند الضرورة»2.

فالباب مفتوح للأساليب الأعجمية تدخله بسلام، إذ ليس في هذه الأساليب كلمة أعجمية، ولا تركيب أعجمي، وإنما هي كلمات عربية محضة ركبت تركيبا عربيا خالصا، لكنها تفيد معنى لم يسبق لأهل اللسان أن أفادوه بتلك الكلمات. فقولهم «طلب فلان يد فلانة» كلمات عربية مركبة تركيبا عربيا؛ لكننا إذا خاطبنا بها العربي القح لم يفهم منها المغزى الأعجمي، وهو خطبة الفتاة؛ وإنما هو اعتاد أن يفهم خِطبتها بمثل: «خطب فلان فلانة».

وقد حاول بعضهم أن يمنع استعمال الأسلوب الأعجمي إذا كان في الأساليب العربية ما يغني عنه. وردُّ هذا بأن المحققين لم يشترطوا في تعريب الكلمة الأعجمية أن يكون في اللغة العربية ما يغني عنها، فكيف يُشترَط ذلك في الأسلوب الأعجمي؟

على أن كلا من «تعريب الأساليب» و«تعريب الكلمات» أمر طبيعي في لغات البشر، يتعذر تجنبه والاحتراز منه. بل إن العناية الإلهية التي جعلت لتفرق بذور النباتات نواميس تساعد على نموها وبقاء جنسها، كذلك هي جعلت للغات نواميس تساعد على نموها وتكاثر تعابيرها.

ودخول الأساليب الأعجمية في اللغة العربية قديم يتصل بالعهد الجاهلي، ثم نشط في العهد الإسلامي، منذ حمل راية الكتابة فيه عبد الحميد الكاتب، ثم تكاثر ونما في العصر العباسي، وحامل راية التعريب فيه ابن المقفع، حتى كانت نهضتنا الحديثة، فرجح ميزانه، وطغى طوفانه.

وقد أصبح تمييز الأسلوب الأعجمي من الأسلوب العربي سهلا، لكثرة المتكلمين باللغات الأعجمية بيننا؛ على العكس من تمييزها في العصور الأولى؛ فإن هذا التمييز من الصعوبة بمكان. لكن الأساليب الأعجمية موجودة في اللغة العربية على كل حال. وربما وجد له شواهد في شعر عدي بن زيد العبادي، الذي تربى في بلاط الأكاسرة. وله شعر كثير مملوء بالكلمات الأعجمية، فيبعد ألا يكون في شعره أساليب أعجمية أيضا. وكذا يقال في شعر الأعشى وغيره من الشعراء الذين خالطوا الأعاجم، وتأثروا بثقافتهم.

أما نشوء الأساليب الأعجمية في صدر الإسلام، فيكفي شاهداً عليه ما قاله أبو هلال العسكري صاحب كتاب «الصناعتين»:

«ومن عرف ترتيب المعاني، واستعمال الألفاظ على وجوهها، بلغةٍ من اللغات، ثم انتقل إلى لغةٍ أخرى، تهيأ له فيها من صنعة الكلام ما تهيأ له في الأولى. ألا ترى أن عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسي، وحولها إلى اللسان العربي؟». ولا يعني بأمثلة الكتابة الفارسية إلا أساليبها التي لا عهد للعرب بها.

وكما أن عبد الحميد الكاتب تأثر بالثقافة الفارسية، ونقل أساليبها إلى العربية، كذلك أبناؤنا منذ فجر هذه النهضة الحديثة، تأثروا بالثقافات الأوروبية المختلفة، التي تمرسوا بها، وتعلموا لغاتها. وكل طائفةٍ منهم نقلت من اللغة التي تعلمتها طائفة من الأساليب إلى لغتنا. وكثير من هذه الأساليب جاءنا عن طريق الثقافة التركية، المتأثرة بالثقافات الأوروبية -ولا سيما الثقافة الفرنسية- بأشد من تأثر ثقافتنا بها.

فيجدر بنا نحن المنقطعين لخدمة اللغة العربية في المجامع اللغوية أن نتقصى هذه الأساليب الأعجمية الدخيلة، فندوِّنها كما دوَّن من سبقنا الكلمات الأعجمية المعربة، ونميز الغث من السمين من تلك الأساليب، ونهيئها للدخول في المعجم الجديد، الذي عينت له لجنة خاصة في مجمع اللغة العربية الملكي.

ثم إن البحث في الأساليب الأعجمية يتناول وجوها:

(1)

قد يقع التوارد بين لغتنا ولغة غيرنا في الأساليب: فلهم أساليب ولنا أساليب بمعناها. ولدينا طائفة من الأساليب العربية، نرى مثلها في كلام الأعاجم. وتكون هناك قرائن تدل على أن لا تواطؤ ولا علاقة بينهما، وأن كلا منهما نشأ في لغته وبيئته من دون أن يتأثر بالآخر. ويكون السبب في ذلك أن منشأ الأسلوبين والباعث عليهما والحافز إليهما في اللغتين واحد: كأن يكون طبيعيا في البشر على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم؛ فمن سرح الدابة بعد أن كان يقودها بزمامها، لا يدع الزمام على الأرض، بل يطرحه عادةً على كتفها أو عنقها. العرب يفعلون ذلك في مطاياهم، والإفرنج يفعلونه في دوابهم. ثم إن كلا الفريقين من دون أن يتأثر بالآخر نقل استعمال تسريح الدابة إلى معنى تسريح الشخص الذي تهمل أمره، وتترك له حريته يتصرف كما يشاء؛ فقالت العرب: «ألقيت حبل فلان على غاربه»، وقالت مدام دي سيفينيه الكاتبة الفرنسية في معنى جعل قلمها يكتب ما يشاء: أترك حبل القلم على عنقه Je laisse la corde sur le cou.

والعرب يستعملون السهام في القتال، كما كان الإفرنج يفعلون ذلك، ومن عادة الرامي أن يوفر في سهمه كل ما يجعله يصل إلى الرميَّة ويصرعها. وهذا أمر طبيعي في كل الشعوب التي استعملت السهام. ومثله في كونه طبيعي الحدوث أن يتفطن العرب والإفرنج إلى أن الكلام الذي يقال من دون تدبر أو ترو، لا يؤثر الأثر المطلوب في نفوس المخاطَبين، ومن ثم قال العرب في حكمهم:

وإن كلام المرء في غير كنهه *** لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها

وقال الإنكليز في أمثالهم: «الكلام بلا تفكير كرمي السهم بلا تسديد». ومثله قول العرب في استنفاد الوسائل: «رمى آخر سهم في كنانته»، والإفرنج يقولون ما ترجمته: «رمى آخر خرطوشة لديه».

ونحن نقول في وصف الرجل بالغيظ «صرف أسنانه» و«حَرَق الأُرَّم»: أي حكَّ أسنانه بعضها ببعض. وهم يقولون: Grincer des dents.

ونحن نقول في التنويه بالحب القديم: «ما الحبُّ إلا للحبيب الأول». وهم يقولون: L’homme revient toujours à ses premiers amours.

ونحن نقول في طلب شدة الانتباه: «افتح أذنيك». وهم يقولون: Ouvrez les oreilles.

ونحن نقول: «خانته قواه». وهم يقولون: Les forces le trahirent.

ونحن نستعمل «أكل اللحم» كما في القرآن أو «تمزيقه بالأسنان» للدلالة على الغيبة، وذكر الآخر بالسوء. وهم يقولون: Déchirer à belles dents، وCoup de dents.

ونحن نقول: «شرب الكأس حتى الثُّمالة»، وهم يقولون: Boire le calice jusqu’à la lie.

ونحن نقول: «فلان ذَرِبُ اللسان»: أي مشحوذ اللسان، كما يشحذ السلاح، وهم يقولون: Avoir la langue bein affileé، إلى غير ذلك من التعابير التي تولدت في اللغتين بالاستقلال، من دون أن تستعير إحداهما من الأخرى.

(2)

أساليب تسربت إلى لغتنا في العهد الأخير، وكان الظاهر من حالها أنها أعجمية لا يعرفها العرب. ولكن قد يدعي مدَّعٍ عروبتها وإرجاعها إلى عرق في الأساليب العربية، من ذلك قولنا مثلا: «فلان لا يقدر أن يسافر» و«فلان ما عاد يقدر أن يسافر»، و«فلان رأيته» و«فلان ما عدت رأيته أو لم أعد أراه»، و«لا يسعفنا الدهر بمثل فلان» و«ما عاد أو لم يعد الدهر يسعفنا بمثل فلان»، و«فلان كان صديقا لي» و«فلان ما عاد صديقاً لي أو لم يعد صديقاً لي»، إلخ إلخ. فالتعابير الأولى عربية أصيلة، أما التعابير التي استعمل في نفيها فعل «عاد يعود» فهي تعابير إفرنجية دخيلة لا يعرفها العرب. وإنما يعرفون النفي الساذج الذي لا يكون فيه فعل «العود». قالوا: «ودخول فعل العود في هذه التعابير قد حدث في أواسط القرن الماضي منذ شاعت الترجمة عن اللغة الفرنسية، وقد وجدوا فيها للنفي أداتين ne pas وne plus فجعل المترجمون يترجمون الجملة التي فيها plus بإلحاق فعل «العود» فيها. ولا يخفى أن النفي مختلف في الجملتين، فقولنا: «ما قدرت أن أرى زيدا» يفيد مجرَّد نفي القدرة. أما قولنا «ما عدت أقدر أن أرى زيدا»، فيفيد نفي القدرة مع الإشارة إلى أني كنت أقدر أن أراه قبل ذلك، أو المعنى «أني لا أقدر أن أراه الآن، أما قبل الآن فكنت أقدر أن أراه»، وهكذا قولنا: « فلان ليس صديقا لي» و«ما عاد صديقا لي»، فإن الثانية تفيد نفي صداقته بعد أن كانت حاصلة. ودعوى أن النفي مع فعل «عاد» غير عربي موضع شك؛ إذ يقال: وكيف يفعل العرب إذا أرادوا أن يقولوا إن فلانا كان صديقا ثم تحول عن الصداقة. فيرد المترجمون بأن العرب الأقدمين يؤدون هذا المعنى بمختلف الأساليب إلا الأسلوب الذي فيه فعل «عاد يعود» فإنهم لا يعرفونه، ولا معنى لفعل العود فيه.

فيرد عليهم بأن الأسلوب عربي، وفعل «العود» فيه بمعنى الصيرورة، فعاد هي أخت «رجع» وكلتاهما من أخوات «كان» و«صار»، فمعنى «ما عاد زيد صديقا لي» ما رجع أو ما صار صديقا لي. وجاء في الحديث الشريف: «لا ترجعوا بعدي كفارا» أي لا تصيروا.

لا يقال: كيف يمكن أن تكون «عاد» بمعنى «صار» وهي لا تؤدي تمام معناها لو حلت محلها، وقيل «ما صار صديقا لي».

والجواب أن أخوات «كان» تعمل عملها، ولكن يبقى لكل منها معنى خاص يميزها، أو مقام خاص تستعمل فيه. فقول الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفارا» صرَّحوا بأن «ترجعوا» فيه بمعنى «تصيروا»، ولكن لو حلت محلها «تصيروا» لما أدت تمام معناها. لأن «لا ترجعوا» تفيد معنى «بعد أن كنتم مسلمين» ولو قال «لا تصيروا» لما أفاد تمام هذا المعنى. وهكذا يقال في مثل «ما عاد صديقا لي» أن «عاد» بمعنى «صار» وإن لم يمكن أن تحل محلها. ونؤيد قولنا بحديث آخر أصرح في الدلالة على ما نريد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي معاذ رضي الله عنه: «أعُدت فتَّانا يا معاذ»، فقوله: «أعدت» قالوا بأنه بمعنى «أصِرت» مع أنها لا يجوز أن تحل محلَّها بلاغة. وانظر لو أن معاذا أراد أن يجيب النبي عن قوله، أيقول له: «لست فتَّانا يا رسول الله» أم يقول: «لم أعد فتَّانا». وقوله «لم أعد فتَّانا» هو من الأساليب الجديدة نفسها، التي تكون فيها «عاد» بمعنى «صار» وزعم المترجمون أنها غير عربية.

ويمكن أن نلخص البحث بقولنا إن استعمال فعل «عاد» في النفي عربي صحيح، لكنه قليل الاستعمال في كلام الفصحاء الأقدمين؛ وإنما كثر استعماله في عصر الترجمة الأخير. فهو إذن ليس أسلوبا إفرنجيا محضا.

ومن الأساليب التي في عجمتها شك قولهم «تبادلا التحيات» و«تبادلا الشتائم» و«تبادلا بعض الكلمات»، ويقول الإفرنج: échanger quelques paroles ولكن فعل «التبادل» فصيح، وهو مستعمل في كلام البلغاء، يقال «تبادلا ثوبيهما»؛ غير أن الإفرنج يستعملون فعل «التبادل» في الأمور المعنوية، كالأقوال والإشارات، كما يستعملونه في الأمور المادية. وقد يقال إن فعل «تقارض» بمعنى تبادل يستعمله فصحاء العرب في المعنويات، كما يستعملونه في الماديات فيقولون: «تقارض فلان وفلان الثناء» و«تقارضا الزيارة»، وهكذا؛ فيا ليت المترجمين الأولين استعملوا فعل «تقارض» في ترجماتهم مكان فعل «تبادل»، ولو فعلوا لكانوا وقعوا على اللفظ العربي المستعمل في هذا المقام.

ويقال أخيرا إن «تبادل التحيات والشتائم» ليس أسلوبا إفرنجيا محضا كما زعموا.

ومن تلك الأساليب المشتبه في عجمتها قولهم: «بكى بدموع حارة». ويقول الإفرنج: Pleurer à chaudes larmes فزعم بعضهم أن وصف الدموع بالحرارة أسلوب إفرنجي مترجم لم يعرفه العرب. ورد هذا بأن العرب إن لم يصفوا الدموع بلفظ الحرارة فإنهم وصفوها بمرادف الحرارة أعني «السخونة» والإحراق؛ إذ هم يتخيلون أن دمع الحزن سخين، ودمع الفرح بارد؛ فإذا دعوا لأحد بالمسرة قالوا: «أقر الله عينه» و«فلان قرير العين» وإذا دعوا عليه بالمساءة قالوا: «أسخن الله عينه» و«عين سخينة». والفرق بين العرب والإفرنج أن الأولين ينسبون السخونة إلى العين نفسها، والإفرنج ينسبون الحرارة إلى دموعها.

أما وصف البكاء بالحرارة فقد اتفق فيه الأسلوب الإفرنجي والعربي؛ الإفرنج يقولون «بكى بكاء حارا أو بحرارة»، والعرب يقولون: «بكى أحر بكاء» و«كان ينشِج أحر نَشيج». ويقول العرب أيضا: «بكى فلان حتى أحرق الدمع مآقيه».

ومحصل القول أن وصف الدموع بالحرارة ليس بدعا من أساليب العرب، ولا يحسن أن يعد في الأساليب الأعجمية المحضة.

أما وصف البكاء بالمرارة في قولهم بكى فلان بكاء مرا وبكى فلان بمرارة pleurer amerement فإنه من صنيع الأعاجم، إذ لا علاقة بين البكاء وطعم المرارة إلا في أذواقهم. أما العرب فجعلوا وصف المرارة للعيش وللحياة:

والموت خير من حياة مرة *** تقضي لياليها كقضم الجلمد

وقد أحسنوا صنعا في ذلك، فإن من يقاسي نكد الحياة كان كأنما يتلمظ بشيء مر، فإنك تراهما كليهما كالِحين عابِسَيِ الوجه.

ومما ينبغي أن يعد من الأساليب الأعجمية المحضة: وصف التقبيل والقبلات (جمع قبلة بضم القاف) بالحرارة. وربما كان هذا الأسلوب في الوصف من صنيع الإنكليز. ولا نعلم ماذا يريدون بالحرارة في قولهم: «قبلات حارة»، أيريدون بها حرارة النفس والجوف؟ أم يريدون المعنى المجازي، فيعنون أن القبلات حارة أي لذيذة؟ ولا جرم فإن الحرارة والدفء هو منبعث اللذة والنعمة في بلادهم الباردة. كما أن البرودة والخصَر منبعث النعمة واللذة في بلاد العرب الحارة. ومن ثم يقولون: «عيش بارد» و«برد الفؤاد والكبد» و«ثلج الفؤاد والصدر».

ومن الأساليب التي يُشكِّكون في عروبتها قولهم مثلا: «سأسافر غدا برغم المطر أو بالرغم من المطر» وهو ترجمة كلمة en dépit de أو malgré الفرنسيتين. ولكن قبل أن يترجم المترجمون هذه الكلمة الفرنسية بكلمة «رغم» العربية، كانت «رغم» شائعة مستعملة في فصيح الكلام العربي؛ إذ يقولون: «فعلت كذا على الرغم من فلان، وبرغم منه». وكثيرا ما استعمل العرب كلمة «رغم» مع الأنف فيقولون «على رغم أنفه» و «رغم أنف فلان». ولعل الفرق بين الاستعمالين العربي والإفرنجي أن العرب يستعملون الرغم مع الأشخاص فيقولون: «برغمي» و«برغم فلان». أما الإفرنج فيستعملونه مع غير الأشخاص أيضا فيقولون مثلا: «زرتك برغم المطر».

ومن الأساليب الأعجمية التي غلبت على الكتاب المصريين وفي عجمتها شك قولهم «أثر عليه» وهو تعريب Influer sur. وإنما ذهبوا إلى عجمة هذا الأسلوب من حيث إن فعل التأثير في اللغة العربية يتعدى بحرف الجر «في» فيقولون: «أثر في نفسه» لا «أثر على نفسه». والذي ينازع في ذلك يقول: إن مجمع اللغة العربية الملكي قد قرر قياسية التضمين، فلا بدع إذا ضمن المصريون فعل أثر معنى آخر يتعدى بعلى. فقولهم «أثر عليه» مضمن معنى أثر متسلطا عليه أو متغلبا عليه. والحق أن استعمال فعل «أثر» في مثل هذا المقام ليس كثيرا في كلام فصحاء العرب، وإنما الفصيح أو الأفصح استعمال فعل «حاك يحيك» مكان «أثر يؤثر». وهاك هذا الشاهد: وهو قوله صلى الله عليه وسلم «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك»، قال اللسان: «أي أثر في نفسك» ثم قال (أي اللسان): «فلان ما يحيك فيه الملام» إذا لم يؤثر فيه.

ومن الأساليب المشتبه في عجمتها قول كتابنا اليوم: «قرأت لامرتين. ودرست فيكتور هيجو» فيعدون فعلي «قرأ» و«درس» إلى الذات، وهما في العربية إنما يعديان إلى الآثار المكتوبة. فيقولون: «درست كتابات فيكتور هيجو» و«قرأت آثار لامرتين».

وهناك عدا ما ذكرنا أساليب عدة يكثر النزاع حول اعتبارها عربية أو أعجمية. ويمكن أن يقال بوجه الإجمال إنها عربية، لكن الفصحاء لم يستعملوها استغناء عنها بغيرها أو استعملوها بقلة حتى نهض أبطال الترجمة في القرن الماضي فاضطروا إلى استعمالها توفية لحق الترجمة الحرفية، ولا سيما أن تلك الأساليب وردت بكثرة مملة في الكتابات الإفرنجية، ومن يومئذ شاعت تلك الأساليب على ألسنة كتابنا وفي لغة صحافتنا ولغة التخاطب بيننا.

فمن هذه التعابير الشائعة قولهم:

وبالنظر إلى كذا جرى كذا وكذا ……………………………………… A l’égard de

وفي الوقت نفسه جاء فلان …………………… En ­même temp

يعمل فلان ضد فلان، ولقحه ضد الكوليرا …. Contre lui

قتل الوقت (يعنون إضاعته عبثا) ………. Tuer le temps

فلان يمثِّل المجمع في الحفلات الرسمية …… Représenter

هم عشرة على الأقل أو على الأكثر ………… Au moin ou au plus

أعطى رأيه في هذه القضية ………………….. Donner son avis

أقول هذا وبالحرى يقوله كل الناس ………… Plutôt

سهر على كذا (أي اعتنى به) …………… Veiller

ألقى المسألة على بساط البحث ……………. Mettre une affaire sur

وقد أخذ كتاب الصحف يستعملون تعبير «الطاولة الخضراء» ويوشك أن يكثر حتى يزاحم عبارة «بساط البحث».

المسألة الآن تحت الدرس.

المسألة الآن قيد التحقيق أو قيد البحث.

هذه مسألة جوهرية ………………………. Essentiel

الأمر كذا وبعبارة أوضح أو بعبارة أصح بعبارة هو كذا وكذا.

جو السياسة مكهرب ………………………. Electriqué 

(3)

أما الأساليب التي لا نزاع في عجمتها فكثيرة جدا منها قولهم:

عاش ستة عشر ربيعا ……………………. Il a vecu seize printemps

ذر الرماد في العيون ………………………. Jeter de la poudre aux yeux

فلان يكسب خبزه بعرق جبينه ……………. Gagner son pain à la sueur de son front

فلان لا يرى أبعد من أرنبة أنفه …………. Ne voit pas plus loin que le bout de son nez

فلان يلعب بالنار (أي يتعرض للخطر) …………………. Jouer avec le feu

لا جديد تحت الشمس ………………………… Rien de nouveau sous le soleil

أعطاه فرماناً على بياض …………………………… Donner carte blanche

أي أعطاه ملء السلطة ……….. Plein pouvoir

أعطاه صوته (في الانتخاب) ………………….. Donner sa voix

قبض على دفة الحكومة ……………………………… Tenir le gouvernail de l’Etat.

ازدهرت التجارة، أو أزهرت المعارف، أو أزهر العمران ……… Le commerce fleurissait، Fleurir

سادت الفوضى، أو ساد الجهل ……………………………… Régner

والعرب إذا نسبوا السيادة نسبوها إلى الأشخاص والأقوام، فيقولون ساد زيد وسادت العرب.

فلان لعب دورا، أو مثَّل دورا في هذه القضية …………… Jouer un rôle 

فلان يؤيده الرأي العام …………………………………….. Opinion générale

فلان رجل الساعة، وهو الذي ينقذ الموقف.

كلَّمه بطرف شفتيه (أي باحتقار) ……………………… Du bout des lèvres

وأقول أنا في دوري ………………………………………… Mon tour

وحاول بعضهم أن يجعل هذا التركيب عربيا فوضع كلمة «نوبتي» مكان «دوري»، لكنه لم يوفق في محاولته، وبقي الأسلوب أعجميا لا يعرفه العرب.

توترت العلائق بين الحكومتين ……………………………… Rapports tendus

تلَّبد جو السياسة بالغيوم ………………………………………… S’embrunir

الشيء الفلاني حجر عثرة في سبيل كذا ……………… Pierre d’achoppement

إلى الملتقى، وإلى الغد ……………………………………………. Au revoir. à demain

فلان يصطاد في الماء العكر ………………………………… Pêcher en eau trouble

شرب على صحة فلان أو شرف فلان ……………. A l’honneur de

والعرب لا يعرفون هذا التعبير. وقد استعمل كتابنا المتأخرون تعبير: «شرب نخب فلان» بمعنى شرب على صحته. وشاع بينهم أنه أسلوب عربي فصيح، لكن الذي في القاموس «النخب الشربة العظيمة» وهي بالفارسية «دوستكاني»، وعزا التاج تفسيرها بالدوستكاني إلى الإمام الصاغاني وهو خراساني، فيكون أعلم بالفارسية من زملائه اللغويين. ويظهر أن معنى «دوستكاني» أن يشرب الشارب الخمرة على صحة صديقه. ومن ثم فسرها بذلك صاحب أقرب الموارد وغيره من أرباب المعاجم المعاصرين، اعتمادا على قول الصاغاني إن «النخب» هو بالفارسية دوستكاني. أما القاموس فقد اقتصر على قوله «النخب الشربة العظيمة» ولم يتعرض لسان العرب لذلك، وإنما ذكر مصححه في هامشه أن النخبة الشربة العظيمة3.

ضحك ضحكة صفراء (أو ضحكة صفراوية) …………… Rire jaune

تأثير الوسط، والأوساط السياسية …………………………… Milieu

فعل كذا بصفته حاكماً للبلاد، وفلان فعل كذا أو قال كذا بصفته كمؤرخ أو كشاعر أو كصحفي أو كرجل مسن عركه الدهر …….. En qualité de, Comme un

مسألة بسيطة، رجل بسيط، قال ذلك ببساطة …….. Simple, Simplicité

ولعل كلمة «ساذج» تغني عن كلمة بسيط. على أن «ساذجا» فارسية الأصل.

ترجمة سطحية، معرفة سطحية، درس سطحي، بحث سطحي ………………………… Superficielle

دسائس فلان تغذي الفتنة، الصحافة الجاهلة تغذي الرأي العام أسوأ تغذية ………………………… Nourrir

تصفية المحل التجاري، التصفية القضائية ……………… Liquider

كانت الحفلة تحت إشراف فلان أو تحت رعاية معالي الوزير ……………………………………….. Sous les auspices

ويقال في العربية جرى كذا على عين فلان، وعينٍ من فلان، وبعين فلان. وفي القرآن الكريم «ولتصنع على عيني».

قرأ كتب أناطول فرانس وتأثر بها إلى حد …………………… Jusqu’à

أو تأثر بها إلى درجة ……………………………… A tel point que

ونقول في كلامنا الدارج للدلالة على الاقتصاد في الإنفاق: «حتى نطلع الراسين سوا». وقولنا: «الراسين سوا» إنما يفسره لنا الأسلوب الإفرنسي وهو قولهم: Pour que nous puissions joindre les deux bunts de l’année. ففهمنا بذلك أن المراد بالراسين رأسا السنة؛ أولها وآخرها. فيكون الطرفان وما بينهما بسبب الاقتصاد سواء في النفقة، فلا نبذر في رأس السنة ثم نحتاج إلى الاستدانة في آخرها. وتسمية الطرف الأخير رأسا من باب التغليب وهو معهود في فصيح الكلام.

(4)

ومما يلحق بالأساليب الدخيلة قولهم:

فلان عظيم بكل معنى الكلمة، وتعذيب الضمير، وضميري يعذبني، وتوبيخ الضمير، وضميري يوبخني … Remords

ولعل الاستعمال الفصيح في هذا ما في القرآن الكريم «النفس اللوامة».

نقد بريء، وكلمة شكر بريئة …… Innocent

وربما كان الفصيح فيه أن يقال «خالص وخالصة أي من شوائب سوء النية».

الكاتب أو الشاعر اللامع …… Brillant

الشاعر أو الكاتب الملهم

وقد أهملوا وصفهما بالمفلق والخنذيذ، والإلهام ترجمة Inspiration وترجمتها بذلك خير من ترجمتها بالوحي الذي يحسن تخصيصه بوحي النبوة.

نفعل كذا على ضوء كذا

كان القوم متحمسين ومتحمسين جدا

خصص عمره للأدب وللأدب وحده

لكل جريدة خطتها، ولكل أرض طبيعتها

والعرب يقولون في مثله: لكل جريدة خطة أو كل جريدة لها خطة.

عناصر الأدب العربي كذا وكذا، وعناصر القصة كذا وكذا ………… éléments

وهم يريدون بالعناصر الأجزاء الأصلية المعنوية التي يتألف منها الشيء، ولذا تراهم استعملوا مع العناصر كلمة «تحليل» فيقولون تحليل القصة إلى عناصرها. ثم توسعوا في استعمال كلمة تحليل فقالوا تحليل الشعر وتحليل شاعرية الشاعر. ولا أظن كلمة «تحليل» إلا مترجمة عن كلمة Analyse الإفرنسية بمعنى تفصيل الشيء وتفريقه إلى أجزائه الأصلية، مما يؤدي إلى إيضاحه وإظهار خفاياه. ويمكن أن يقال إن مؤلفي العرب استعملوا التحليل فيما يقرب من هذا المعنى، فإن صاحب المخصص (جزء 14 ص 220) قال: «وكل عقد في هذا الباب لسيبويه، وكل تحليل فلأبي بكر السري، وأبي علي الفارسي وأبي سعيد». فكأنه يريد بكلمة «العقد» ما نريده بكلمة «المتن». أما كلمة «تحليل» فظاهر أنه أراد بها الإيضاح والتفسير وبيان الجزئيات المنطوية في المتن.

المدرسة الغزالية، والمدرسة الأفلاطونية، ومدرسـة رينـان، وفـلان تـأثر بمدرسـة الفيلـسوف فـلان، إلـخ

ويريـدون بالمدرسـة مجموعـة التعـاليم والآراء التـي أصـبحت مـذهبا للعـالِم يميـزه عـن غيـره. وهـذا التعبيـر أو الاصـطلاح ترجمـة école de. ولا بأس في هذا الاصطلاح والتجوز في الإطـلاق، ويـشبهه فـي العربيـة إطـلاق كلمـة «الكراسي» على العلماء بالشيء الخبيرين به. أنشد قطرب:

تحـف بهـا بـيض الوجـوه وعـصبة *** كراســيّ بالأحــداث حــين تنــوب

وقد قالوا إن معنى «كراسيّ بالأحداث» أن رجال تلك العصبة علماء بالأحداث. وقال الزمخشري في الأساس: «خير هذا الحيوان الأناسـي. وخيـر الأناسـي الكراسـي» أي خير الناس علماؤهم. وفسر بعضهم «الكرسي» في آية «وسع كرسيه السموات والأرض» بالعلم. وفــي تعابيرنــا المدرســية الجديــدة «الأســتاذ فــلان صــاحب كرســي فــي الجامعــة الفلانية»، وربما أتى وقت قلنا فيه فلان أحد كراسي الجامعة، أي أنه أحد علمائها. ونـستعمل كثيـرا جملـة «علـى قـدم المـساواة» بمعنـى التـسوية بـين الـشيئين، كمـا قرأت أخيرا فـي مقال لبعض الأساتذة المصريين: «والأصل فـي الشـرائع أن يكـون تطبيقها علـى جميـع الـسكان علـى قـدم المـساواة دون تمييـز ولا تحيـز»، وهـو تعبيـر أعجمـي يـستعمل فصحاء العرب مكانه كلمة «على السواء». وقد ترجم بعض مترجمي القـرآن آية «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» بقولـه: Peut-on mettre sur le même pied d’égalité ceux qui savent et ceux qui ne savent pas.

(5)

وفي الأساليب الدخيلة ما عليه مسحة دينيـة من ذلـك قـولهم:

اعتنـق فـلان الـدين الفلانــي …… Embrasser

مــات فــلان ولــم يعــرف امــرأة، أي لــم يتــزوج

حـرق البخـور أمامـه، وحرق بـخور الثنـاء بـين يديـه ……………Encenser

أي مدحـه بإفـراط أو كرمـه تكريمـا دينيـا.

ضـحاه علـى مـذبح أغراضـه، وذهـب فـلان ضـحية مبدئه ………… Sacrifier, Sacrifice

بشر بدينه أو تعاليمه أو بـالآداب العربيـة فـي بـلاد أميركا

مبارك هو الرب

شريرة هي المرأة التـي تفـعل كـذا وكـذا

وفـي نظيـر ذلـك مـن التراكيـب التـي جعـل فيهـا المبتـدأ نكـرة، ولو جعلنا النكـرة خبـرا مقدمـا لمـا كـان ثمـة حاجـة إلـى ضـمير الفـصل الـذي إنمـا يـؤتى بـه للتفرقـة بـين الخبـر والـصفة. والأسـلوب العربـي فـي أمثـال هـذه التراكيـب أن يقـال: «الـرب مبـارك ، أو المـبارك الـرب»، و«المـرأة التـي تـفعل كـذا شـريرة، أو ليـست إلا شـريرة».

البكـاء وصـرير الأسـنان

مــن لــه أُذنــان فليــسمع

صــب عليــه جــام غــضبه، وفــي رؤيــا يوحنــا: قــال للملائكــة امــضوا واســكبوا جامــات غــضب االله علــى الأرض

ويوشــك أن يكــون مــن الأساليب الدينية المترجمة التجوز بكملة «حقـل»، وقـد شـاع اسـتعمالها أخيـرا فـي الـصحافة الــسورية، فهــم يقولــون: «فــلان مــن أكبــر العــاملين فــي حقــل الوطنيــة» و«فــلان قــضى حياته وهو يشتغل في حقل المصلحة الوطنية، أو في حقل الوطن»، إلخ.

(6)

قلنـــا فـــي صـــدر المقـــال إن بعـــض الفـــضلاء اشـــترط فـــي اســـتعمال الأساليب الإفرنجية أن تكون مما يلائم الذوق العربي السليم. وقلنـا إن فـي هـذا الـشرط عـسرا بينا لاختلاف الأذواق، وتباين المشارب والثقافات. فما رآه هـذا فـي ذوقـه بـشعا قبيحـا عـدَّه الآخـر مقبـولا حـسنا. ومـن أجـل ذلـك لا يمكننـا البـت فـي تعيـين الأسـاليب المستهجنة بل لا يمكن وضع قاعدة يرجـع إليهـا فـي ذلـك. وهـا نحـن نـذكر مـن تلـك الأسـاليب مـا رأينـا بعـض أدبائنا يـستهجنه، فمنها قولهم: «أنفـدت عـصارة دمـاغي» وقول الإنجليـز فـي وصـف الـذي يعكـف علـى مطالعـة الكتـب «فـلان دودة كتـب»، وقـول فيكتور هيجو: «أجـراس تـقرع معـا كأنهـا أتـون من الموسـيقا»، وقـول الآخـر: «جليد المـرآة» يعني زجاجهــا. وقــول مــن قــال: «إن كتــب فــلان كلهــا آذان كــلاب» أي أنــه يطــوي أطرافها ليرجع إليها حين الحاجة. وقـول الآخـر فـي وصـف أزار الأزهار في براعمهــا: «نامــت فــي ســريرها الشــتائي». واســتهجن صــديقنا الأميــر شكيب اسـتعمال كلمـة «ضـد» فـي مثـل قـولهم: «فـلان يـشتغل ضـد فـلان». واسـتقبح آخـر قـولهم فـي خطبـة المـرأة: «طلـب يـدها» مـع أن آخـرين ربمـا لا يـستقبحون هـذا التعبير.

فلا جــرم أن يكــون تحكيم الــذوق الخــاص فــي اختيــار الأســاليب الدخيلــة غيــر ممكن التطبيق، إذ لكل كاتب ذوق. وكل كاتب وذوقه. والنقد من وراء الأذواق بالمرصـاد. إذا لا ينبغي التشاؤم بهذه الأساليب الجديدة. ولا يحسن إيـصاد البـاب فـي وجههـا ما دام النقد كالحاجب على الباب يأذن ويصد، ويقبل ويرد.

والطريقـة المعبـدة فـي ذلـك أن مـن عـرض لـه في إحـدى اللغـات أسـلوب لا عهد للعرب به، واسـتساغه ذوقه، وأحب نقله إلى العربيـة فليفعـل. واذا اتفـق أن كـان ذوقـه سقيما، أو كان الأسلوب في نفسه سمجا عقيما كان على جهابذة اللغـة والأدب أن يزيفـوه ويعلنوا قبحه وهجنتـه، فيتحامـاه النـاس. ومـع هـذا كثيـرا مـا شـاع الأسـلوب القبـيح، وتداولتـه الأفــواه والأقــلام، بــرغم نقــد جهابــذة الأدب لــه، وزراية العــام عليــه. وهــذا كقــولهم: «ضحاه على مذبح أغراضه» و«صبَّ عليه جام غضبه». والبلاد التي فيها مجامع لغويـة يمكنهـا أن تعمـل علـى إماتـة الأسـلوب القبـيح بمـا لـديها مـن المقدرة الشاملة والوسـائل الكافلة، كما هو المنتظر من مجمع اللغة العربية الملكي.وقـرأت بـالأمس مقـالين لفاضـلين سـوري ومـصري: فـالأول منهمـا اسـتعمل فـي مقاله تعبير «قفا المداليا» Le revers de la medaille وقـال إن الفرنسيين يريـدون بهذا التعبيـر أن الـشيء مهما كـان ظـاهره حـسنا جمـيلا، لابـد أن يبقـى فـي بعـض جوانبه نقص ينبغي التفطن له. و«المداليا» هو ما اصطلحنا على تسميته بالوسام أو النيـشان. أمـا الفاضـل المـصري فقـد جـاء فـي مقـال لـه نشره فـي «الـبلاغ» قوله: «لا أحب أن أحـرم القراء سـماع دقـة الجـرس الأخـرى» أي سـماع جـوابي بعـد أن سـمعوا كـلام منـاظري. قـال: «وهـو أسـلوب فرنـسي يريـدون بـه أن الواجـب انتظـار جواب الخصم». فهم يقولون: L’autre son de cloche. وقد شاع بيننا اليـوم تعبيـر آخر بمعنى هذا التعبير وهو قولنا: «لنخبئ الأذن الأخـرى للمتهم». ولا أعلم أترجم هذا التعبير من لغة أجنبية أم تولد في لغتنا، ونبت في تربة أدبنا. فوظيفة مجمـع اللغة العربية الملكي إذن أن ينظـر فـي التعبيـرين الفرنـسيين المـذكورين، فيعلن قبولهمـا أو رفـضهما، حتـى إذا كـان مـن رأيـه قبولهمـا أشـار إلـى ذلـك فـي معجمـه الجديـد، وكـذلك يفعـل فـي كـل أسـلوب أعجمـي تـسرب إلـى لهجتنـا أو انـساب فـي كلامنا أو كتابتنا.

  1. عدل المجمع هذه الصيغة إلى صيغة أخرى وقتها ↩︎
  2. عدل المجمع هذه الصيغة إلى صيغة أخرى وقتها ↩︎
  3. تعليق الموقع: حذفنا من هنا كلمة “فليحرر”، شكًا في كونها في غير مكانها ↩︎

نُشرت بواسطة مؤسسة المترجم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *